قبل عشر سنوات فقط، كان من الصعب تصور أن بطولة أوروبا لكرة القدم النسائية يمكن أن تحقق هذا الكم الهائل من الإيرادات. لكن نسخة 2025، التي تُقام حالياً في سويسرا، أثبتت أنها من أبرز الأحداث الرياضية لهذا العام، سواء داخل الملاعب أو خارجها.
ويشارك في البطولة 16 منتخباً من أفضل المنتخبات الأوروبية، لتتحول إلى مناسبة رياضية واقتصادية كبرى. إذ تمثل الجوائز المالية البالغة 32 مليون يورو زيادة بنسبة 100% مقارنةً بيورو 2022، وقفزة بنسبة 300% مقارنةً بيورو 2017، وهو ما يعكس ثقة الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (UEFA) المتزايدة في القيمة التجارية لكرة القدم النسائية، بالتوازي مع ارتفاع نسب المشاهدة حول العالم واهتمام الرعاة.
ومن المتوقع أن تُدر حقوق الرعاية والبث التلفزيوني وحدها أكثر من 100 مليون يورو، وهو رقم مذهل مقارنةً بالمبالغ المتواضعة التي كانت تُجمع قبل عشر سنوات، حين كانت رعاية كرة القدم النسائية تندرج غالباً ضمن حزم رعاية أحداث الرجال. اليوم، تستثمر علامات تجارية كبرى مثل Visa وHeineken وVolkswagen وUniversal Studios بشكل مباشر وكبير في البطولات النسائية.
ورغم أن كرة القدم النسائية لا تزال بعيدة من حيث الإيرادات عن بطولات الرجال مثل يورو (أكثر من 2 مليار يورو) ودوري أبطال أوروبا (أكثر من 3.5 مليار سنوياً)، فإن النمو المتسارع للعبة واضح. وحدها في عام 2025، يُتوقع أن تصل الإيرادات العالمية لرياضات النساء إلى 2.35 مليار دولار — بزيادة 80% عن العام السابق.
البث التلفزيوني يشهد كذلك تحولاً كبيراً. ففي الولايات المتحدة، وقعت رابطة الدوري الوطني لكرة القدم النسائية (NWSL) صفقة بث تبلغ قيمتها 240 مليون دولار حتى 2027، مما يعكس الاهتمام المتزايد برياضات النساء حول العالم.
أما سويسرا، الدولة المستضيفة، فستجني فوائد اقتصادية كبيرة، حيث تشير التقديرات إلى أن البطولة ستضخ أكثر من 300 مليون فرنك سويسري في الاقتصاد المحلي، من خلال إنفاق الزوار والفرق ووسائل الإعلام. ويتوقع أن يغطي هذا الإنفاق الحكومي البالغ بين 30 و70 مليون يورو، من خلال عائدات الضرائب وخلق فرص العمل وتنشيط السياحة طويلة الأمد.
وتُعد نسخة 2025 تحولاً هائلاً بالمقارنة مع انطلاقة البطولة المتواضعة. ففي النسخة الأولى عام 1984، لم يتجاوز الحضور الجماهيري الإجمالي 6,000 مشجع. وبحلول 2005، تجاوز هذا الرقم 112,000، وبلغ في يورو 2017 أكثر من 240,000، مع مشاهدة تلفزيونية وصلت إلى 25 مليوناً.
لكن نقطة التحول الحقيقية كانت في إنجلترا عام 2022، حيث حضر أكثر من 500,000 مشجع المباريات، وتجاوزت نسبة المشاهدة العالمية 365 مليوناً. نهائي البطولة وحده سجّل 17.4 مليون مشاهد على التلفزيون البريطاني، في تأكيد على أن كرة القدم النسائية وصلت إلى القمة.
وهذا النمو السريع ينعكس أيضاً في توزيع الجوائز، حيث ارتفعت قيمة الجوائز من 8 ملايين يورو في 2017 إلى 16 مليوناً في 2022، ثم تضاعفت مجدداً إلى 32 مليون يورو في 2025. وكلما زادت العائدات التجارية، زادت الموارد المتاحة للاعبات والفرق وتطوير المواهب الناشئة.
وعلى المستوى الرياضي، تتجه الأنظار نحو منتخب إسبانيا، الساعي لتحقيق ثلاثية تاريخية بعد تتويجه بكأس العالم للسيدات ودوري الأمم الأوروبية. وقالت القائدة الأسطورية أليكسيا بوتياس، التي غابت عن النسخة الماضية بسبب الإصابة: "استعددت لهذا اليوم طويلاً، وأتطلع إليه بشغف كبير".
ورغم أن المساواة التامة مع بطولات الرجال لا تزال هدفاً بعيد المنال، إلا أن يورو 2025 رسّخ مكانة كرة القدم النسائية كقوة عالمية على الصعيدين الاقتصادي والرياضي والثقافي.
ADD A COMMENT :